طرق التعلم والتعليم في القرآن الكريم

 

طرائق التعليم والتعلم في القرآن الكريم

 

1- التعليم والتعلم بالرحلات والزيارات التعليمية :

 - أقرّ القرآن الكريم النشاط التعليمي المخطط له باعتباره جزءاً متكاملاً من عملية التعليم والتعلم الذي يقوم به المتعلم تحت إشراف المعلم في البيئة الخارجية ، ويتضح هذا جلياً في قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح ( الخضر عليه السلام ) والتي سبق لنا أن شرحناها في كتابنا ( موسى والخضر عليهما السلام ) ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا } إلى قوله تعالى : { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف : 60 - 82] .

 - حيث خطط للرحلة بحمل الطعام والرفيق ، وحدد مكان لقاء المعلم ومواصفاته ، والقصة معلومة لنا جميعاً .

2- التعلم الاجتماعي :

بنى القرآن الكريم تعلم العقائد وتأدية العبادات ( الصلاة والصيام والزكاة والحج ) على النشاط والسلوك الجماعي حتى ولو كان الفرد يؤدي العبادة منفرداً حيث يقول المسلم في كل صلاة : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( 5 ) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة : 5 - 6] ، وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } [ الصف : 4] .

3- التعلم الإبداعي والعصف الذهني :

استخدم القرآن الكريم التعلم الإبداعي والعصف الذهني في التعليم والتعلم ، قال تعالى : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ( 21 ) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ( 22 ) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ } إلى قوله تعالى : { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } [سورة الأنبياء : 21 - 24] ، وقال تعالى : { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ } [الأنبياء : 63] .

4- التعلم الذاتي :

أقرّ القرآن الكريم أسلوب التعلم الذاتي في إحداث تغيير في سلوك المتعلمين سواء أكانوا فرادى أو جماعات ، حيث أمرهم القرآن الكريم بالتفكر في خلق الله بدون معلم أي بالذات ، وهذا من أحدث الأساليب التربوية التي ينادي بها رجالات التربية في العصر الحديث ، قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ البقرة : 164] ، وقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ } [ سورة سبأ : 46] .

5- التعليم والتعلم بالملاحظة الدقيقة والمنظمة :

أقرّ القرآن أهمية الملاحظة المنظمة والمشاهدة المتكررة في التعليم والتعلم ، حيث يرسل الله سبحانه وتعالى النبي أو الرسول ويدعم موقفه التعليمي بالمعجزات التي يشاهدها المتعلم ( المرسل إليه ) ، ويستنتج منها النتائج والعظات والعبر ، فيعدل من سلوكه إذا فقه الدرس ووعاه ، قال تعالى : { وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } [سورة هود آية : 64] ، وقال تعالى : { قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، لَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [سورة الشعراء آية : 155 - 156] . وفي هذه الآيات أوضح سيدنا صالح لقومه قدرة الله سبحانه وتعالى بهذه الناقة التي تسير أمامهم ، وتشرب الماء في يوم ، وتعطيهم اللبن ، وقد حشد القرآن الكريم عشرات المواقف التعليمية بالملاحظة المنظمة مثل موقف سيدنا إبراهيم مع الشمس والقمر وعبادته لله ، وكذا التفكر في خلق الله .

6- التعليم والتعلم بالمناقشة :

حيث إن التعليم الجيد يستلزم مشاركة المتعلم في العملية التعليمية بحماس وإيجابية ، والمناقشة تشجع المتعلم على المشاركة في لموقف التعليمي ، والمناقشة لون من الحوار الشفوي بين المتعلم والمعلم يؤدي بالمتعلم إلى التوصل إلى جوانب التعلم المعرفية الأساسية قال تعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ( 84 ) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [سورة هود : 84 - 85]

ماذا نستنتج من الآيات السابقة ؟

 - الآيات السابقة مناقشة حرة ومنظمة بين المعلم ، سيدنا شعيب عليه الصلاة والسلام وقومه ، بدأها بلفت أنظارهم إلى أخطائهم فردوا عليه ، فقال لهم إني على بينة من ربي ، ونبههم أن أتباع الحق واجب ، وأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها حتى ولو كان من الخصم : { لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي } ، ثم قالوا له في عناد المستكبرين : { مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ } ، وهموا بإيذائه وهنا انقطعت المناقشة ووقف الجميع في انتظار النتائج .

 - فهل رأيتم تعليماً ومناقشة مثل هذا الحوار الطيب الجميل بين المعلم والمتعلم ، ولطف المعلم بالمتعلم رغم عناده وكفره ومكابرته ، وهنا ننبه المعلم المسلم إلى ضرورة اتباع أسلوب الحوار بينه وبين تلاميذه ، وأن يكون المعلم المسلم صبوراً على المتعلمين ، رفيقاً بهم في الحوار ، فالمعلم الناجح الذي يخطط للحوار في تدريسه بحيث يصبح الحوار منظماً منطقياً مقنعاً ، وأن يمس الحوار حاجة عند المتعلم ، وأن يعمل المعلم على تعديل سلوك المتعلم بما يقنعه في ذلك من الحوار ، وعندما يصل الحوار إلى منتهاه ، أو يرى المعلم أن نتائج الحوار غير مجدية فعليه أن يفكر في أسلوب آخر غير هذا الأسلوب الحواري لتعليم تلاميذه وتعديل سلوكهم ، وهذا ما أرشدتنا إليه الآيات السابقات من سورة هود .

7- التعليم والتعلم بالعروض العملية :

العرض العملي ( هو النشاط الذي يقوم به المعلم أو المتعلم أو أي متخصص أو مجموعة من المتعلمين أو المتخصصين بقصد توضيح حقيقة أو قانون أو قاعدة أو نظرية أو تطبيقاتها في الحياة العملية باستخدام بعض وسائل الإيضاح مثل العينات والنماذج والصور والرسوم والأفلام والتجارب العملية إلى جانب الشرح الشفوي ) .

وقد أقر القرآن الكريم أسلوب التعلم بالعروض العملية في العديد من المواقف التعليمية الواردة في القرآن الكريم ومنها قوله تعالى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ، قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } [سورة طه الآيات : 65 - 70] .

ماذا نستنج من الآيات السابقات ؟

 - هذا عرض عملي رائع حيث حشر الناس ضحى ، فالرؤية واضحة ، والسحرة يقفون في صف ، وموسى يقف في صف ، وتبارز موسى والسحرة ، فألقى السحرة أولاً ، ثم ألقى موسى ثانياً ، وظهر الحق أمام الجميع ، فهل رأيتم علماً تعليمياً / تعلمياً مثل هذا العلم ؟! وهل رأيتم عرضاً مثل هذا العرض العلمي في أي موقف تعليمي نعقده للمتعلمين ؟!

 - على المعلم المسلم أن يستفيد من الموقف التعليمي السابق ويتعلم العديد من الخصائص الجيدة للموقف التعليمي الناجح .

 - فقد كانت أهداف الموقف التعليمي بين موسى وفرعون واضحة ( إثبات نبوة موسى عليه الصلاة والسلام ، وأنه رسول رب العالمين ) .

 - وقد خطط سيدنا موسى للموقف تخطيطاً دقيقاً حيث حدد المكان والزمان { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } .

 - جلس كل فريق في المكان المعد له ، سيدنا موسى في جانب وفرعون والناس والسحرة في جانب آخر . - وضوح الرؤية حتى يرى الجميع خطوات الموقف ونتائجه العلمية { وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } . - وضوح الصوت : { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } . - رؤية المتفاعلات في الموقف ( فلما ألقوا ) { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق